الخميس، 26 ديسمبر 2013

الحلم الذي ذهب أدراج الرياح - الصراع السياسي في جنوب السودان يتصاعد

عن صحيفة (Tageszeitung-TAZ) الألمانية
ترجمه من الألمانية : دعاء عباس حسن
أشرف عليه فنياً : إسماعيل خليفة


بعد مرور ما يزيد عن العامين من الاستقلال يئن جنوب السودان تحت وطأة مشكلاته المعلقة. تغييرت مواقع زعماء الحرب القدامى. الرئيس سلفا كير في مأزق.

 برلين : نذكر جميعاً كيف هلل الجميع وصفق عندما أقيمت دولة جنوب السودان, حيث لاقى العضو الجديد قبولاً في المجتمع الدولي بدءا من باراك أوباما حتى أنجيلا ميركل. وبينما يرفرف العلم الملون لجنوب السودان الحرة على أرض جوبا أعلن الرئيس سلفا كير في الجموع المهللة "الآن يتحقق الحلم".

لكن ذلك الحلم ينهار الآن. فقد راح ضحية الإشتباكات والمذابح في جوبا منذ الإثنين الماضي قرابة ال 500 قتيل وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.

 وهاهى الدول الأجنبية تتخلى عن مواطني جنوب السودان وهاهو المجتمع الدولي يترك السفينة تغرق.

سلفا كير يعلن اليوم عن محاولة إنقلاب يتزعمها نائبه المطرود رياك مشار, لكن المراقبين يؤكدون أن الصراع الحالي على السلطة يضع جنوب السودان على شفير الهاوية وهو صراع سيعاد من خلاله ترتيب الأدوار من جديد بين زعماء الحرب القدامى.
وهاهو جنوب السودان يدفع ضريبة التقصير منذ الإستقلال الذي سبقه حكم ذاتي لمدة ستة أعوام ومن قبلها 22 عاماً من حرمانها من النضال من أجل التحرير. صحيح أنه عندما انتهت الحرب ارتدى قائدوا حرب العصابات بالجيش الشعبي لتحرير السودان البدل وبنوا الفيلات. إلا أنهم في قرارة أنفسهم لم ينبذوا تماما فكرة الحرب. ولذلك لم تقم لهم دولة سوية. والجدير بالذكر أنه كلما تحسنت الدولة الوليدة اقتصاديا كلما تعثرت سياسيا. جنوب السودان دولة نفطية , يبلغ دخلها السنوي من النفط 2.5 مليار يورو على أقصى تقدير. ومن هنا يثرى الصفوة دون الحاجة إلى العمل بالسياسة. افتقار السودان للمؤسسات الرشيدة في عام 2012 أدي إلي توقف تصدير البترول نتيجة النزاع مع السودان حول كمية النفط المصدرة.

 وفي إبريل 2013 عاد الوضع لسابقه حيث قُدّر إجمالي الربح من النفط 700 مليون حسب المصادر الرسمية لكن 50% من دخل الدولة يذهب إلى الجيش والشرطة وكذلك الحال في ميزانية 2014.

 والنتيجة هى ازدهار سوق العقارات في جوبا وسوق العمل الدولي المتشابك في مجال حرب العصابات. وبالمقارنة فقد تضائل تطوير مجال التعمير. كما يفتقر جنوب السودان إلي المؤسسات الرشيدة. إذ يتم التعبير عن السخط بطريقتهم التقليدية وبالأسلحة إذا لزم الأمر. وتعتبر المصالحات التاريخية بين الأعداء القدامى – قيادي الجيش الشعبي لتحرير السودان من قبائل الدنكا وخصمهم التاريخي من القبائل الشعبية النوير وشيلوك ’ تعتبرحجر الزاوية لاستقرار السودان. إذ أنه أثناء حرب التحرير لم تفتأ حكومة الجيش السوداني تحرض العنصريين بعضهم على بعضهم وتنشر الوقيعة والفرقة بينهم.

 وفي عام 2011 عُيّن النويري رياك مشار نائبا للدنكي سلفا كير الذي انتُخب رئيسا للبلاد. ولكن الصلح لم يدم طويلاً. فلم يكد يمر عام 2011 حتى كان مشار يمطر الرئيس كير بوابل من الانتقادات. وقدّم نفسه للعام الخارجي كالبديل المدني الحديث للرئيس فأثر ذلك بدوره على مصداقية كير. وفي ويوليو 2013 أُطلِق الرصاص على مشار وذهبت معه حكومته. ومنذ حينها لم تنعم حركة السودان بالهدوء. وفي نوفمبر أعلن كير حلّ جميع هيئات الحركة.
رياك مشار نائب سيلفا كير السابق والمتهم بمحاولة الإنقلاب
 وفي السادس من ديسمبر خرجت الانتقادات الموجهة للرئيس من داخل الحزب إلى خارجه. إذ عاب العامة على سلفا كير "القرارات المصيرية في معظم القضايا تُتّخَذ وراء ستار من قبل الجماعات العنصرية والإقليمية وأصدقاء عمل لرؤساء الحركة. أعقب ذلك بيومين أن عاب أنصار كير بدورهم على الناقدين واصفين إياهم بأنهم يسعون " لتحريض الجيش على العصيان وزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى والشغب" ومن أقوالهم التنبؤية: اندلاع الصراعات في جوبا بعد الانتهاء من مقابلة قيادي الحركة في 14 ديسمبر في إكلات زاعمين بأنهم يُملون تعليماتهم على كير بتجريد العناصر غير الموالية له من الحرس الرئاسي من السلاح. ووصل صدى التناحر السياسي إلى الشارع حيث المواجهات العنصرية
رياك مشار وسيلفا كير وجها  الصراع في جنوب السودان
ووفقا لما أدلى به شهود عيان أن الجماعات الموالية لكير في جوبا تستهدف النويريين محذرين من أن أنصار رياك مشار هناك ومكان إقامتهم غير معروف. واتخذ الصراع على السلطة منحنى خطرا يوم الأربعاء. ففي مدينة بور التي تحوي مقر القيادة – وتقع على النيل جنوب جوبا – أعلن الجيش تحت قيادة بيتر جادت تمردهم على الحكومة. وجادت هو النوير على حد قول رياك مشار. والآن يحتشد شباب النوير في بور لإطلاق "مسيرة إلى جوبا". وتشهد جوبا غارات انتقامية على قبيلة دنكا ديّة لقتلى النوير ارتعدت لها جنوب السودان.

أما عن  الوضع الحالي فإن ثلاثة جنود هنود بقوات حفظ السلام التابعة للولايات المتحدة (أصحاب القبعات الزرقاء) قد لقوا مصرعهم خلال إحدى غارات القبائل على قاعدة للأمم المتحدة في ولاية جونقلي الخميس الماضي. وقد نزح الكثير من المدنيين إلى معسكرات اللاجئين خوفاً من تصاعد المواجهات.

 من واشنطون جاءت كلمات الرئيس الأمريكي باراك أوباما حاسمة حيث طالب بوضع حد فوري للعنف هناك كما أرسلت الولايات المتحدة العشرات من جنودها إلى جنوب السودان. وحسب ما ذكرته منظمة الأمم المتحدة فإن قبيلة النوير قد قامت بالإعتداء على معسكر مبعوثي الأمم المتحدة بجنوب السودان في أكوبو بولاية جونقلي ما أدى إلى فقد الاتصال بين الأمم المتحدة وقاعدتها هناك. فيما صرح السفير الهندي لدى الأمم المتحدة أسوكي موكيرجي أن المليشيات قتلت ثلاث هنود من القبعات الزرقاء "عمدا".

الجدير بالذكر أن "الجيش الشعبي لتحرير السودان" كان قد تأسس في مدينة بور عام 1983 بعد أن أعلن الجيش العصيان.



 وفي عام 1991 تحالف رياك مشار في جوبا - ومن قبلها في الخرطوم – ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان وكانت النتيجة أسوأ جرائم الحرب في تاريخ جنوب السودان : ذبح ما لا يقل عن 2000 من قبيلة دنكا. ولم يعتذر مشار عن فعلته إلا في عام 2012. وهكذا أقيمت دولة جنوب السودان الوليدة على جراحٍ قديمةٍ ربما لم تلتئم بعد.

رابط الموضوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك