ترجمته من الألمانية : إسراء سيد
نقلاً عن صحيفة Berliner Zeitung الألمانية
القضاء والجيش المصري يعملان معا يدا بيد، وكلاهما يرسل رسالة مفادها أن مقاومة الديكتاتورية الجديدة لا جدوي من ورائها، وليس هناك مجال للمعارضة.
فالقضاء المصري سجل رقما قياسيا وأنضم الي موسوعة جينيس للارقام القياسية، بعد أن أصدر حكما بالاعدام على 529 شخصا في قضية استمرت يومين فقط او بمعني ادق ساعتين فقط، واحدة منهما يوم السبت الماضي والأخرى يوم الاثنين حيث يعتبر ذلك إنتقاماً صريحاً وثأراً لضابط قتيل. حيث أنه بعد مرور شهر من انقلاب الجيش المصري علي الرئيس الاسلامي المنتخب دكتور محمد مرسي قامت قوات الامن في شهر اغسطس من العام الماضي بفض اعتصامات الاخوان المسلمين في القاهرة مما أدى إلى مقتل ما يزيد عن 600 شخص بالرصاص الحي، كما قتل 64 من رجال الشرطة في الاحتجاجات التي عمت البلاد بعد هذه المجزرة، ففي محافظة المنيا في صعيد مصر اقتحم الاخوان المسلمون مركز الشرطة وقتلوا ضابطا، فأصدر قاضي المنيا حكما بالاعدام علي 529 شخصا ثأرا لهذا الضابط.
وقد دار جدل حول ما إذا كان هذا القاضي قد أصدر حكمه ذلك بإشارة من الحكام العسكريون لمصر أم أنه قام بذلك على الأرجح من تلقاء نفسه؟ والحقيقة هي ان القضاء والجيش يعملان معا يدا بيد، مما يشير أن المقاومة ضد الديكتاتورية الجديدة ليس لها جدوي،فليس هناك مجال للمعارضة.ولهذا السبب يقبع في السجون مايقرب من 16000 معارض خاصة من الاخوان المسلمين إضافة إلى اتباع الاحزاب العلمانية، كما أن هناك العديد من الشخصيات البارزة في الربيع العربي، وقد تعرضوا للتعذيب كما كان يحدث في عهد مبارك ,وبالتالي فإن الصحفيين الناقدين والمدونين يتعرضون للمضايقة وفي النهاية ومع كل هذا لابد أن تحدث هدنة.
تقسيم الشعب إلي "هم" و"نحن"
الرئيس الاسلامي محمد مرسي التزم بالقليل من الديموقراطية . فقد أراد أن يسود وليس أن يحكم ,فقد اقام سلطته وأنشأ نظاماً إستبدادياً ذو صبغة إسلامية ، لذا لاقي الانقلاب العسكري ترحيبا واسعا في الأوساط العلمانية والليبرالية غير أن الجيش لن ينقذ الديموقراطية،بل سيستعيد علاقات القوة القديمة وهو ما بدا واضحا في الدستور الجديد للبلاد فقد تم توسيع صلاحيات السلطة القضائية وسلطة الجيش،ومنذ ذلك الحين تم تقسيم عامة الشعب الي: هم ونحن. هم: وتطلق علي الاسلاميين الذين تم جرهم لأفعال غير شرعية، وحمل السلاح لتقوية معسكرهم ، غير أن هذا قد يساعد فقط على تنفيذ عمليات إرهابية، بيد أنه لا يمكنه إسقاط الديكتاتورية العسكرية .
وهذ يذكرنا بالعواقب الوخيمة التي حدثت في الجزائر بعد الانقلاب العسكري للجيش عام1992، وذلك بعدما اصبح فوز الاسلاميين واضحا في الانتخابات فقد تم اعتقال عشرات الالاف في مخيمات في الصحراء،وخرج الألاف بالسلاح،واستمرت الحرب الأهلية لما يقرب عقد من الزمان ، مما أدى إلى مقتل مايقرب من ال 100000 شخص، فقد كان شعار الجيش:هم او نحن، ولم يعد هناك مجال للديمقراطية والمجتمع المدني وسط هذه الصراعات الدامية وقد جاءت هذه الحرب في الوقت المناسب جدا لدوائر قوية في المخابرات والجيش، لدرجة أنهم كانوا يقومون بإشعالها عمدا، ليصرفوا المجتمع عن هراء الديمقراطية، فالربيع العربي لم ينبت في الجزائر زهورا وبعد عشر سنوات من العنف والارهاب اصيب الشعب بالصدمة والشلل الدائمين .
الجيش يحتاج الي هدنة
يعد الجيش في مصر هو – فيما عدا السنة الوحيدة الفاصلة إبان حكم مرسي– صاحب السلطة منذ سقوط النظام الملكي في عام 1952، كما هو الحال في الجزائر أيضا منذ الاستقلال عام 1962 علي الاقل بحكم الامر الواقع، علي الرغم من قيام الانتخابات، ففي كلا البلدين عارض الجيش تطبيق الديموقراطية، حيث إن هذا من شأنه أن يهدد نفوذه الاقتصادي.
بيد أن هناك فرق جوهري بين عسكر مصر وعسكر الجزائر،ففي الجزائر تعتمد آلية القوة العسكرية بشكل أساسي علي حقول النفط والغاز الطبيعي، والتي تعد من أهم موارد الدولة الاساسية التي تحقق 98%من عائدات التصدير، غير أن العائدات من قطاعي النفط والغاز لم تتضرر في سنوات الحرب العشر،أما في مصر فترتكز القوة الاقتصادية للجيش علي عائدات قناة السويس وسيطرتها علي جزء كبير من صناعة الغزل والنسيج ،خصوصا مع تدهور قطاع السياحة وانخفاض عائداته بعد ثلاث سنوات من الاضطرابات ،ولهذا السبب وحده فإن الجيش المصري في حرب ليس له مصلحة بها،فهو في حاجة الي الهدوء لكي يتغلب علي الوضع الاقتصادي المتردي.
في الجزائر وربما في مصر ايضا سيتم إنتخاب الرئيس في شهر أبريل (نيسان) المقبل،في الجزائر سيفوز عبد العزيز بوتفليقة للمرة الرابعة،وذلك بالرغم من كونه في حالة مرضية خطيرة ،لا يستطيع الحركة إلا علي كرسي متحرك، ولا يكاد يستطيع الكلام،ولكن ماذا في ذلك ؟ فالاجندة السياسية تفرض الحكم العسكري بأي حال من الاحوال أما في مصر فالحاكم الفعلي هو القائد السابق للجيش ووزير الدفاع عبد الفتاح السيسي الذي انقلب علي الحكم العام الماضي، والذي سيتم انتخابه رئيسا للبلاد ورسالته الرئيسية ستكون "إما نحن أو هم" ولا بديل لذلك ولعل تلك الرسالة هي نفس الرسالة التي أراد قاضي المحكمة أن ينقلها عندما قرر الحكم بالإعدام على 529 شخصا دفعة واحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك