تقرير كتبته : Birgit Svensson
وترجمه من الألمانية : إبراهيم النويهي - عمر نايل - إسماعيل خليفة
بعد إعلان عبد الفتاح السيسي ترشحه للرئاسة في مصر فتحت صحيفة "دي ﭬيلت" الألمانية ملف السلطة الفعلية للعسكر في مصر وهو التقرير الثاني للصحيفة الألمانية الشهيرة والذي تبرز فيه حجم توغل جنرالات العسكر ليس في المشهد السياسي للبلاد فحسب بل في المشهد الإقتصادي أيضاً وكانت مدونة (صحافة ألمانية) قد نشرت تقريراً بعنوان (صحيفة "دي ﭬيلت" الألمانية تفتح ملف إمبراطورية العسكر الإقتصادية في مصر) وذلك علي جزأين تم نشر الجزء الأول منهما بتاريخ 13 يناير 2014 بينما تم نشر الجزء الثاني بتاريخ 14 يناير 2014.
ونظراً لكبر حجم التقرير الجديد والذي يحمل عنوان (تقرير لصحيفة ألمانية : الجيش المصري دوله داخل الدولة) نرجو من سيادتكم قراءته بعناية ودون مللحيث قررنا نشر التقرير كاملاً دون تقسيمه إلي جزأين.
تقرير كتبته : Birgit Svensson
وترجمه من الألمانية : إبراهيم النويهي - عمر نايل - إسماعيل خليفة
وإليكم نص التقرير :
تحولت استراحات الطرق السريعة الي مكان لعشاق رياضة الدراجات النارية, فمع كل نهاية أسبوع يتجمع المئات من سائقي الدراجات الناريه علي الطريق السريع بالكيلو 108 المؤدي الي البحر الأحمر، اذا سمع هذا الصوت " ڤو" فهو صوت تلك الدراجات الناريه فائقة السرع وثرثرة أصحابها، ينافس كل منهم الاخر ويريد ان يهزمه بأحدث الموديلات وأسرعها من الدراجات النارية واذا ظهرت دراجه ناريه من النوع الأميركي "هارلي-ديفيدسون" Harley Davidson المعروفة بسرعتها الفائقة، تراهم جميعاً يتجمعون حولها كما لو كانت أحد نجوم البوب،حيث يتم تبادل الخبرات، والمعلومات الخاصة بالدراجات النارية وأنواعها وبياناتها. ثم يتجمعون لشرب الشاي وتدخين الشيشه او لتناول وجبات سريعة في احدي الاستراحات أو محطات الوقود التي أُفتتحت حديثاً.
أحد من يقدمون الخدمات في تلك الإستراحات يشير إلي محطة وقود علي الجهة المقابلة قائلاً: " هذه المحطة هي الأخري تابعة للجيش ، حالها حال هذا الطريق السريع الذي أنشأه الجيش منذ سنوات".
منذ عشرة سنوات تم افتتاح طريق العين السخنة، وهو أحد مشاريع البنية الاساسية الضخمة، الذي يختصر المسافة بين السويس والقاهرة.
ومنذ إنشاء الطريق ومصانع الأسمنت والسيراميك والبتروكيماويات باتت تنتشر علي جانبي الطريق يميناً ويساراً.
الجيش والإقتصاد في مصر بينهما إرتباط وثيق
هنا في العين السخنه حيث يوجد مشروع لاستقبال ناقلات النفط الخام " الذهب الأسود" ذات الحمولات العملاقة والتي لا تستطيع العبور عبر القناه بسبب حمولاتها الفائقه، تقوم بتفريغ النفط الخام داخل مستودعات التخزين ثم تجري عملية ضخ هذا النفط الذي يصل الي بورسعيد عبر خطوط الأنابيب حيث تنتظر ناقلات النفط لإعادة شحنها ثم نقلها الي الاسواق العالمية وكل هذا يتم تحت إدارة الجيش المصري حيث لا يقتصر دور الجيش المصري علي تأمين الطرق ومواقع التصنيع فقط ، بل يستفيد رجال الجيش من المكاسب والأرباح المادية الكبيرة من وراء تلك العمليات.
كل هذا في القوت الذي لا يزال حجم أنشطة الجيش الإقتصادية وحجم تكسب وتربح قادته من تلك المشاريع سراً عسكرياً من أسرار الدولة المصرية.
الحديث في هذا الصدد يدور حول إمتلاك الجيش المصري ل 40% من حجم الإقتصاد المصري وهو ما ينفيه المتحدث العسكري بإسم الجيش المصري بشكل متكرر.
لكن الحقيقة المؤكدة هي أن الجيش المصري تمكن من الإستحواذ وتكوين ثروات تقدر بالمليارات منذ أن قام الضباط الأحرار في عام 1952 بالثورة ضد الملك والاستعمار البريطاني ووصولهم للسلطة وبقائهم فيها دون منازع .
ملاهي ليلية لرجال الجيش وذويهم فقط
إستعراض الجيش لقدرته ونفوذه يبدو واضحاً في كل مكان في القاهرة. فعلي سبيل المثال من ينطلق بسيارته من مطار القاهرة متجها صوب العاصمة المصرية، يري ثكنات الجيش ومعسكراته فائقة العدد مصطفةً إلي جوار بعضها البعض، وبجانبها تصطف أندية الجيش الترفيهية التي تنافس بعضها حيث تجد المطاعم والملاهي الليلية والفنادق والمخصصة جميعاً لضباط الجيش المصري وذويهم فقط دون غيرهم.
مباني فاخره وفي أفضل المواقع ومن يزور تلك الأماكن سوف يدرك سريعاً ويتضح له من أول وهلة، من هم أصحاب القرار الفعليين في مصر والذين لهم الكلمة العليا في البلاد.
في كل منطقة داخل العاصمة المصرية البالغ تعداد سكانها 18 مليون، توجد منشأت عسكرية وفي بعض الأحيان يمكن للمرء منا مشاهدة المجندين الجدد وهم يؤدون تدريباتهم العسكرية علي شواطئ النيل وكذلك اثناء قيامهم بالتدريب علي السباحة وعلي فرد وإنزال اللانشات المائية المطاطية في النيل.
في كل مكان تري عساكرالجيش، لدرجة أنك كنت تري رجال الجيش يقومون بتنظيم المرور لأسابيع إبان ثورة يناير 2011 بعد إنسحاب رجال الشرطة من مواقعهم.
لذلك فإن مصر في قبضة الجيش بالكامل ولم يشعر الجيش بالتهديد سوي مرتين :
الأولي عندما أراد مبارك،أحد أبناء الجيش المصري وخليفة سابقيه في الخدمة عبد الناصر والسادات واللذان كانا أيضاً من العسكريين،عندما أراد مبارك تولية نجله جمال رئاسة الجمهورية من بعده.
أما المرة الثانية فكانت عندما أقال محمد مرسي أول رئيس مصري منتخب جنرالات كبار في الجيش المصري علي رأسهم المشير طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة محمد حسين طنطاوي وأحاله للتقاعد بعد أن كان طنطاوي قد تولي رئاسة مصر بعد تنحي مبارك.
الجيش المصري ومزارع الدجاج
الرئيسان المعزولان تجري محاكمتهم الآن لكن في الوقت الذي يقف فيه مبارك بكل ثقة أمام القضاء وغالبا ما تجري جلسات محاكمته دون أي مشاكل تشهد محاكمة مرسي إعتراض مرسي وإرساله الصيحات المناهضة للعسكريين من داخل قفصه الزجاجي حيث يتم كتم صوته و لايمكن سماعه إلا بضغطة زر من القاضي.
روبروت سبرنجبورج الأستاذ بالكلية البحرية بجامعة كاليفورنيا والخبير في شئون الجيش المصري : " إن السؤال ليس عن القطاعات الإقتصادية التي يتدخل فيها الجيش المصري ولكن السؤال الحقيقي ما هي المجالات التي لا يستثمر فيها، فالجيش موجود في كل مكان" فالجيش يحتفظ بمزارع الدواجن والماشية وانتاج الآثاث ومصانع المكرونة وحتى بامبرز الأطفال كما يهيمن على تجارة السيارات والأسمنت وإنشاء الكباري والجسور بالإضافة إلى ذلك كانت مخابز الجيش البديل لسد احتياجات المدنيين بعد أزمة الخبز التي أعقبت سقوط حسني مبارك والنقص في واردات القمح.
دولة العسكر لا تخضع لأي رقابة
ويرى سبرنجبورج أنه من الصعب تحديد حجم ميزانية الجيش التي لا تخضع لأي سيطرة، لكن ما يمكن التكهن به هو نسبة الجيش من الاقتصاد المصري والتي تترواح ما بين 10-45 % ، ويمكن أن نفترض أن هناك حوالي 14 من المصانع الكبيرة تقع في أيدي الجنرالات كما يدخل الجيش شريكاً في الكثير من المشروعات بطريقة غير مفهومة أحياناً.
وأضاف سبرنجبورج أن الجيش المصري لم يكن ليكشف أبدا عن حجم نشاطه الاقتصادي ولا يمكن أن يخضع للمساءلة ولا تخضع ميزانيته لاي نوع من السيطرة وهذا الوضع لم يتغير حتى مع وضع الدستور الجديد وبناء عليه سوف تظل الميزانية العسكرية مستقلة لتجعل الجيش دولة داخل الدولة.
الجزء الوحيد المعلن من الميزانية يقدر بـ 1.3 مليار دولار قيمة المساعدات العسكرية المقدمة سنويا من واشنطن للجنرالات في القاهرة ، تلك المساعدات يتم الإعلان عنها دائما بالولايات المتحدة لتوثيق علاقتها العسكرية مع زملائهم العسكريين في مصر.
أكبر جيش عربي
بالإضافة إلى المعونات يتلقى العديد من الضباط المصريين تدريبات عسكرية بالولايات المتحدة لكن بالرغم من ذلك تشهد العلاقات الأمريكية المصرية توترا في الوقت الحالي بسبب وصف الولايات المتحدة الإطاحة بمرسي بالإنقلاب الوصف الذي لم يكن ليرضي النظام الجديد.
الجيش المصري الذي يتجاوز قوامه الـ 700 ألف جندي يعتبر الجيش الأكبر في أفريقيا والعالم العربي وعلى النطاق العالمي يحتل المركز العاشر ولأن التكوين الأساسي للجيش هو الخدمة العسكرية من أبناء الشعب فإن العلاقات بين الجيش وشعبه دائما ماكانت وثيقة جداً ويدا بيد وتلك أيضا كانت شعارات ثورة يناير " الجيش والشعب أيد واحدة "وأصبح الجيش على مر السنين رمز لهوية شعب النيل.
وحتى خلال التظاهرات التي اشتعلت من جديد في عهد مرسي كان من غير المألوف بالنسبة للأوروبيين رؤية المصريين وهم يلتقطون الصور التذكارية أمام الدبابات مع الجنود واحتظان الضباط للأطفال الصغار على المركبات العسكرية.
الثقة في الجيش المصري لا حدود لها
الجيش في مصر هو البقرة المقدسة التي لها الحق في فعل ما تشاء ولا يحق ذبحها تحت أي ظرف حيث أن ثقة غالبية المصريين في الجيش لا حدود لها وهو ما يجعل كثير من المصريين يعتقدون أن جنرالات الجيش سوف يحمونهم وأنهم سوف يحققون لهم الديموقراطية المنشودة وتمتد تلك القناعات إلي الطبقات الفقيرة في المجتمع.
لكن من يريد أن تربح تجارته عليه الإبتعاد عن الجيش والمثال علي ذلك هو ما نشاهده في الإسكندرية ثاني أكبر مدينة مصرية حيث يوجد في حي سيدي جابر مقهي يحمل إسم "همبكة" يعتبر ملتقي الشباب السكندري من كل التيارات والإتجاهات من بينهم نشطاء يعارضون الإخوان ونهمهم للسلطة كما يعارضون القهر الذي يمارسه العسكر.
جنرالات معدومي الأخلاق
وفي سيدي جابر حيث مقهي "همبكة" عاش أيضاً خالد سعيد الذي أثارت واقعة قتله وتعذيبه علي يد رجال شرطة في 2010 موجات من الغضب الشعبي قادت لاحقاً إلي إندلاع ثورة 25 يناير 2011 وكانت سيدي جابر من المناطق التي شهدت إشتباكات عنيفة إبان ثورة يناير.
مقهي "همبكة" عندما يكتظ بالرواد يقوم العاملين فيه بوضع بعد الكراسي والمناضد خارج المقهي وذات مرة جاءت مجموعة من القوات الخاصة وأمهلت صاحب المقهي ساعتين لإخلاء المكان حيث أراد الجيش الذي يؤجر المكان لمدير المقهي فسخ العقد مع المستأجر بالرغم من أن العقد لا يزال سارياً لشهرين آخرين.
إغلاق مقهي "همبكة" أثار موجة عارمة من الإحتجاج علي موقع الفيس بوك حيث كان المقهي ملاذاً للكثير من شباب الإسكندرية كما أن الجيش لم يبدي أسباب إغلاق المقهي فهل كان السبب هو منع هؤلاء الشباب من الإجتماع والنقاش ومعارضة الجيش أم كان السبب أن الجيش أراد تأجير المقهي لأحد رجاله.
التبرير الرسمي لقرار الغلق كان أن جيران المقهي أشتكوا من الضوضاء التي يسببها المقهي لكن من يعرف مصر والمصريين جيداً يعرف أن مسألة الضوضاء هذه غير مقنعة لاسيما وأن الضوضاء هي جزء من الروتين اليومي في حياة المصريين وهو ما يجعل من تبرير الجيش أمراً فاقداً للمصداقية بعض الشيئ.
في مصر من يريد أن يفتح أي مشروع عليه أن يعمل حساب جنرالات الجيش ويضعهم في الحسبان فهم يربون الدجاج ويجمعون السيارات بينما يظل ما يربحه العسكريون وراء كل ذلك سراً عسكرياً من أسرار الدولة المصرية.
موضوعات ذات صلة :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك