"الموت بالحيا"...تقرير ألماني عن سكان المقابر
في القاهرة
ترجمه من الألمانية : إسماعيل خليفة
عن موقع مجلة (Zenith) الألمانية
تم النشر في 8 نوفمبر 2014
مليون ونصف مصري يعيشون في المقابر
|
تحت عنوان : ("مدينة الموتي الأحياء" سكان المقابر في القاهرة) نشر موقع (zenithonline.de) الناطق بالألمانية تحقيقاً صحفياً أعدّته (Hend Taher) ونُشر بتاريخ 9/10/2014.
التقرير الذي ترجمه المترجم الصحفي الحر: إسماعيل خليفة ونشره موقع (صحافة ألمانية) المتخصص في ترجمة ونشر التقارير الصحفية الألمانية جاء فيه أن فقراء القاهرة المعدمين لم يجدوا لهم مكاناً بين الأحياء فقرروا العيش بين الأموات وأن الإحصائيات غير الرسمية تشير إلي أن أعداد سكان المقابر في مصر قد يصل إلي 1.5 مليون شخص.
من بين هؤلاء ال 1.5 مليون مصري تعرّفنا علي أسرة "نفيسة" وهي إحدي الأسر المصرية التي تعيش في المقابر حيث إلتقينا ب"نفيسة" وهي سيدة مسنة بعين واحدة وتبدو عليها علامات الفقر الشديد لكنها قابلتنا بإبتسامة لطيفة لدي وصولنا إلي "القبر" الذي تعيش فيه حيث تعيش "نفيسة" في مدفن يتكون من مدخل أمامي تقضي فيه "نفيسة" أغلب وقتها وفناء واسع بلا سقف وغرفة نوم صغيرة بجوار تابوت الميت.
مسكن "نفيسة" به دورة مياة ليست سوي حفرة في الأرض بجوارها صنبور مياة قديم , اما المطبخ فهو مجرد ركن صغير فارغ ومظلم وليس به سوي "وابور جاز" بينما يتدلي من سقف المطبخ الفارغ خرطوم مياه يُستخدم ك"دش" للإستحمام حيث أن المطبخ يُستخدم أيضاً كحمام بينما توجد غرفة أخري خاصة بأصحاب المدفن تُستخدم كمخزن بينما يوجد حمّام حديث بقاعدة لكنه يخص أصحاب المدفن أيضاً ويستخدمونه عند زيارتهم للمدفن.
"نفيسة" ولدت وترعرت في المقابر وهي لا تعرف تاريخ ميلادها. تزوجت بعد وفاة والديها من احد العمال كان يسكن في مدفن مجاور وأنجبا 3 أبناء ولدين وبنت وقد تزوج الإبن الأكبر والبنت الصغري بينما دخل الإبن الأوسط السجن بعد تورطه في مشكلة سقط فيها أحد الأشخاص قتيلاً وتقول "نفيسة" أنه كان ولداً سيئاً وتسبب دخوله السجن في التأثير علي سمعة الأسرة.
أما زوج "نفيسة" فقد أصبح كبيراً في السن ولا يستطيع العمل وهو الآن بلا معاش أو تأمين صحي وهو ما يدفع "نفيسة" لبيع أعواد قصب السكر والإعتماد علي المساعدة التي يرسلها لهم أبنهم الأكبر وأبنتهم الصغري وكذلك من الصدقات التي يجود بها عليهم أصحاب المدفن كلما جاءوا لدفن أحد من ذويهم.
كل ما تتمناه نفيسة هو أن تترك حياة المقابر وتجد لها مسكناً ملائماً يؤيها وهي الأمنية التي لا تبدو قريبة المنال في ظل تفاقم أزمة السكن وإرتفاع أسعار العقارات في الوقت الذي يتزايد فيه سكان المقابر من الفقراء أمثالها.
قصة نفيسة لا تختلف كثيراً عن قصة حليمة تلك السيدة العجوز نحيفة البدن والتي تعيش مع أحد أبنائها الذي طلق زوجته ويقيم معها في نفس المدفن.
وبالرغم من أن حليمة لا تملك حماماً للإغتسال إلا أن "الطرنش" يفي بالغرض حيث تغتسل فيه وتقضي حاجتها وعندما يمتلئ تقوم بتفريغه.
ما يميز مدفن حليمة أو منزل حليمة إن صح التعبير هو وجود كهرباء حيث اشتري صاحب المدفن عداداً قبل عدة سنوات وتدفع هي فواتير الإستهلاك الشهرية.
ما يميز المدفن الذي تعيش فيه حليمة هو وجود أشجار ونباتات تحيط به وتجعل من هواء المدفن هواءاً نقياً يختلف كثيراً عن هواء المناطق الأخري من القاهرة حيث الضباب والغبار والعمارات السكنية الشاهقة وعوادم السيارات وعندما سألنا حليمة عن تلك الأشجار الجميلة أجابت قائلة : "الأشجار دي زرعها واحد من أصحاب المدفن رحمة علي ابنه المدفون هنا وكان في شجرة تانية حلوة خالص بس اتسرقت".
عدنا لنسأل حليمة عن حياتها وعن زواجها فأخبرتنا أنها تزوجت وهي في سن الخامسة عشر من أحد الرجال القرويين البسطاء وجاءوا للعيش في المقابر بينما كان زوجها يملك "كشكاً" صغيراً يقتات منه لقمة العيش لكنه مات فجأة بعد 19 سنة زواج وترك لها 3 أولاد لتربيهم وحدها وكان واجباً عليها أن تعمل لتطعمهم وتكسوهم.
حليمة لم تتحدث عن طبيعة عملها لكننا علمنا أن أغلب نساء المقابر يعملن في تنظيف المنازل وتتقاضي حليمة معاشاً قدره 320 جنيهاً شهرياً كما تتلقي تبرعات من الأزهر.
وتتطابق أمنية حليمة مع أمنية جاراتها نفيسة وهي الحصول علي مسكن مناسب مهما كانت مساحته وذلك من أجل أبنائها لا من أجلها هي.
سور المدافن معقل للمجرمين وتجار المخدرات
في طريق خروجنا من المقابر قابلنا عاشور بائع الأقفاص الذي يسكن في منطقة "الدويقة" ويشعر بالخجل وهو يخبرنا أنه ينتمي لتلك البؤرة العشوائية غير القانونية لكنه يؤكد أنه ليس لديه بديل عن العيش في "الدويقة".
عاشور لديه مكان صغير يستأجره ب 80 جنيهاً في الشهر يتخذه ورشة لتصنيع الأقفاص من جريد النخيل ويبعد المكان عن منزله قرابة 20 دقيقة سيراً علي الأقدام ويعيش عاشور مع زوجته وطفله الرضيع واللذان يصطحبهما معه إلي ورشته الصغيرة حتي تجهز له زوجته ما يحتاجه من طعام وتعد له مشروبه المفضل وهو الشاي.
ويتبادل عاشور وزوجته مشاعر الحب والقلق علي بعضهما البعض فهما يعيشان في منطقة ليست آمنه حيث ينتشر المجرمون وتجار المخدرات علي طول سور المقابر وقد شهدت المنطقة قبل عامين ونصف مشاجرة لقي علي إثرها أحد الأشخاص مصرعه وبالرغم من أن عاشور شهد الواقعة إلا أنه لا يستطيع الحديث عن الأمر خوفاً من بطش القاتلين لأنه لو أبلغ الشرطة فسيعلم الجميع أنه من أبلغ وسيتم ملاحقته وربما قتله هو الآخر وهو ما لا يتمناه عاشور بكل تأكيد.
وكما هو الحال مع نفيسة وحليمة يتمني عاشور أن يمتلك بيتاً يسكن فيه وورشةً مستقلةً يعمل فيها وهما الأمنيتان اللتان تبدوان مستحيلاً في الوقت الراهن حيث يقول عاشور : "كل حاجة غليّت. قبل الثورة كنت بأشتري الألف جريدة نخل ب 300 جنية , دلوقتي بشتريهم ب 1300 جنية".
وقبل أن ننهي لقائنا مع عاشور أخبرنا أنه يتمني مستقبل أفضل لإبنه الأكبر. يتمني أن لا يصبح كوالده و أن يحصل علي تعليم لائق وأن يجد له وظيفة حكومية ثابتة" وأضاف عاشور : "أنا لو تعبت أو جالي مرض محدش حيسأل فيا لأن الحكومة مبتهتمش باللي زينا".
عاشور لديه 4 أبناء بخلاف الرضيع جميعهم ألتحقوا بمدارس حكومية وجميعهم تركوها برغبتهم فيما عدا إبنته الصغري التي لا تزال في مراحل التعليم حتي الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
تعليقك